نحن الآن في العام الثاني عشر. في ركن قصيّ من البحر الغربي وفي المياه الراكدة للمروج العظيمة، ُعثر على اليونيكورن. كان ارتفاعه خمسة عشر قدما، له جسم غزال وذيل أسد وقرن وحيد يلمع كسحابة حمراء في سديم ارجواني".
- مقطع من قصيدة صينية قديمة
من أهم الكائنات الأسطورية التي تحدّث عنها الناس منذ اقدم الأزمنة اليونيكورن، هذا الكائن الأحادي القرن الذي يشبه الفرس في قوامه وهيئته وله قرن وحيد في وسط جبهته.
ورغم عدم وجود دلائل علمية مؤكدة تشير إلى وجوده، فإن هذا الكائن الأسطوري كثيرا ما فتن مخيلة الإنسان كما لم يفعل أي كائن خرافي آخر.
والملاحظ أن الموروث الشعبي أو الميثيولوجي العربي يخلو من أي ذكر لهذا الكائن أو لأي كائن آخر يشبهه. الإشارات الوحيدة المتوفّرة عن أحادي القرن وردت في بعض الأساطير والحكايات التي انتقلت إلينا من تراث بلاد الرافدين القديم.
وبالرغم من كل المحاولات الرامية إلى توكيد أو نفي وجود هذا المخلوق الغريب، فإنه ظل على الدوام حاضرا في ضباب الأحلام وفي غبار الأساطير وحكايات الأزمنة السحيقة. وكان يتخذ دائما أشكالا وملامح متباينة في تراث وثقافات العديد من الشعوب المختلفة.
ظل اليونيكورن يعيش في مخيلة الإنسان بشكل أو بآخر منذ فجر التاريخ. وطبقا للحضارة الصينية فان هذه الحيوانات الفاتنة دخلت تاريخ الإنسان في حوالي العام 2697 قبل الميلاد عندما شق الجواد الأسطوري "تشيلين" طريقه بوقار وجلال إلى داخل قصر الإمبراطور "هوانج تي" وتجوّل في ردهاته وأروقته قبل أن يختفي على حين غرة!
ويعتقد على نطاق واسع أن أوّل إشارة إلى كائنات اليونيكورن كانت في الصين وبالتحديد في حوالي سنة 2500 قبل الميلاد، وكان الحديث عنها مقرونا باعتبارها مخلوقات إعجازية يشعّ جسم الواحد منها بالألوان المبهرة وله صوت يشبه صلصلة الجرس وقرن من العاج منزرع في مقدمة رأسه طوله حوالي اثني عشر قدما.
كان الجواد الأحادي القرن يتمتع بمكانة خاصة لدى الصينيين فقد كان رمزا للقوة والحكمة والخير وكان ظهوره دائما علامة للحظ السعيد والفأل الحسن.
فعندما يكون الحاكم عادلا ورحيما وتسود الناس السكينة والسلام فإن هذا الكائن الأسطوري الغريب سرعان ما يظهر على الملأ علامة على التفاؤل والحظ السعيد. كما انه يظهر في مكان مشابه عندما يوشك قائد عظيم أن يولد أو يموت.
وأكثر الأمثلة شهرة هو ما حدث قبل اكثر من 2500 سنة عندما ظهر هذا الكائن لامرأة شابة اسمها "يين تشين زاي". كانت المرأة حسب ما تقول الحوليات الصينية القديمة تصلي في أحد المعابد، وكانت تثابر على زيارة ذلك المعبد بانتظار أن يمنّ الله عليها بمولود ذكر. وبينما هي معتكفة في ذلك المعبد الجبلي النائي ظهر لها على حين غرة كائن اليونيكورن وركع قبالتها وألقى بين يديها بقطعة من اليشب Jade وهو نوع من الأحجار الكريمة. وعندما تفحّصت المرأة الحجر وجدت منقوشا عليه عبارة تقول بأن ابن الماء سيلد قريبا وسيخلد المملكة وسيكون ملكا بلا تاج!
بعد ذلك بفترة وجيزة تحققت نبوءة الكائن الأسطوري وحملت المرأة الشابة بـ "كونغ فوتسي"!
ولم يكن "كونغ فوتسي" سوى الفيلسوف الصيني العظيم "كونفوشيوس" الذي استطاع في ما بعد، ومن خلال تعاليمه وحكمته، أن يعيد صياغة حضارة الصين جذريا وأن ينال شهرة لم ينلها اعظم أباطرة الصين على مرّ القرون السابقة أو اللاحقة.
لقد اصبح "كونفوشيوس" إمبراطورا كبيرا ولكن من دون تاج الإمبراطورية!
وتقول الحكايات الشعبية الصينية القديمة أن اليونيكورن كان على الدوام يمشي بطريقة ناعمة لانه بطبيعته رحيم القلب وكان يتعمّد المشي بخفّة على الأعشاب والشجيرات مخافة أن يسحقها بقدميه.
كان له صوت كصوت الريح وكان يتجنّب الدخول في عراك مع غيره مهما كان الثمن، وكانت حياته تمتد لألف عام!
وقد ظهر اليونيكورن في آداب وفنون بلاد الهلال الخصيب أيضا، كما أن هناك الكثير من الإشارات عنه في الآداب الهندية واليونانية القديمة.
والحقيقة أن الكتب التاريخية في كلّ العصور تقريبا تحفل بذكر اليونيكورن بما في ذلك كتاب العهد القديم.
تقول إحدى الأساطير الهندية القديمة أن غوتاما بوذا عندما كان يلقي خطبته الشهيرة في منطقة بيناريس أتاه يونيكورن وجثا عند قدميه ليستمع! وقد ُصوّر الكائن على انه غزال له قرن واحد. والقرن هو رمز للنيرفانا، أما الكائن نفسه فنُظر إليه باعتباره نموذجا للسلوك الصالح والمستقيم، كما تؤكد على ذلك إحدى القصائد البوذية القديمة.
وقد لعبت هذه الكائنات الخرافية أهم دور لها خلال القرون الوسطى في أوربا فظهرت في اللوحات والرسومات التصويرية وعلى المفروشات التي كانت ُتطرّز بصورها المختلفة الأوضاع والأشكال. وتشير القصص الفولكلورية العائدة لتلك الفترة إلى انه كان بالمستطاع رؤية ذلك الحيوان من وقت لاخر رغم انه لم يكن يسمح لاحد بأسره أو الإمساك به.
وقد ارتبط ذكر اليونيكورن بسيرة حياة ثلاثة من اشهر القواد في التاريخ: يوليوس قيصر والاسكندر الأكبر وجنكيز خان!
ويقال بأن الاسكندر ركب على ظهر كائن أحادي القرن يعتقد اليوم بأنه لم يكن سوى حصان هجين. كما يقال بأن الاسكندر ورجاله دخلوا ذات مرة في صراع عنيف مع قبيلة من مخلوقات اليونيكورن!
أما بالنسبة لجنكيز خان فتقول بعض المصادر التاريخية انه سيّر في العام 1206 جيشا ضخما كي يفتح به الهند. وبينما كان يقف في ممرّ جبلي يطلّ على تلك البلاد ظهر له حيوان أحادي القرن واتجه نحوه ثم ركع أمامه ثلاث مرات احتراما! وقد اعتبر جنكيز خان تلك الإشارة نصيحة من والده الميت بأن يعدل عن خطته بمهاجمة الهند فأمر جنوده بالعودة من حيث أتوا.
وترسم بعض الاسكتشات والرسومات التي تعود للقرون الوسطى صورة مختلفة بعض الشيء لليونيكورن، فهو يبدو قريب الشبه من الغزال وله قوائم طويلة وذيل قصير أشبه ما يكون بذيل الأسد. كما أن هذا الكائن وحسب تلك المصادر كان يتميّز بقدرته الفائقة على العدو على نحو يصعب معه الإمساك به.
وتشير بعض الحكايات إلى أن الفتاة العذراء الجالسة تحت شجرة في الغابة هي القادرة وحدها على جذب اهتمام ذلك الكائن واستئناسه.
وقد يكون لهذا أصل في الحكايات والقصص المنسوبة إلى أوربا الوثنية حيث كان َذكَر آلهة الخصوبة ذا قرن وحيد.
وربما كان اللون الأبيض الذي اصبح مرادفا للعذرية والعفة انعكاسا لحقيقة أن لون اليونيكورن نفسه ابيض.
وعودا على بدء، فإن أباطرة الصين المتنوّرين ورّثوا الحكم إلى أباطرة اقلّ شانا وأهمية، ومع مرور الأيام خفّت نبرة الحديث عن ظهور اليونيكورن في حدائق القصر إلى أن توقف الحديث عنه نهائيا.
وبحلول القرن السادس قبل الميلاد أصبحت الصين ُتحكم اسميا من قبل سلالة تشاو، لكن البلاد تفسّخت فعليا بعد ذلك وتحوّلت إلى مقاطعات منقسمة على نفسها ومتحاربة في ما بينها.
ومنذ ذلك الحين، اصبح اليونيكورن مجرّد ذكرى غابرة يرويها الناس في أسمارهم ومجالس أنسهم ويتناقلونها جيلا بعد جيل!
الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010
0 اسطورة اليونيكورن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق